🌍 ما هي المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في المغرب؟
تُعد المبادرة الوطنية للتنمية البشرية واحدة من أهم المشاريع الاجتماعية التي عرفها المغرب خلال العقود الأخيرة، إذ تم إطلاقها في 18 ماي 2005 من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس، لتكون ورشًا وطنيًا مفتوحًا يهدف إلى تحسين ظروف عيش المواطن المغربي ومكافحة الفقر والهشاشة والإقصاء الاجتماعي.
ومنذ ذلك الحين، أصبحت هذه المبادرة ركيزة أساسية في سياسات التنمية المستدامة ورافعة قوية لتعزيز العدالة الاجتماعية والمجالية في جميع جهات المملكة.
ما المقصود بالتنمية البشرية؟
التنمية البشرية هي عملية تهدف إلى توسيع خيارات الإنسان وتمكينه من الوصول إلى حياة كريمة من خلال التعليم، الصحة، التشغيل، والسكن اللائق.
في هذا السياق، جاءت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية كمشروع استراتيجي يسعى إلى تأهيل الإنسان المغربي ليكون محور التنمية وفاعلًا رئيسيًا في تحقيق التقدم الاجتماعي والاقتصادي.
الأهداف العامة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية
ترتكز المبادرة على مجموعة من الأهداف الأساسية التي تجعلها من بين أهم المشاريع الاجتماعية في إفريقيا والعالم العربي، من أبرزها:
- محاربة الفقر والإقصاء الاجتماعي في المناطق الحضرية والقروية.
- تحسين الدخل وتوفير فرص العمل خاصة لفئة الشباب والنساء.
- تحسين الولوج إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية مثل التعليم، الصحة، الماء، والكهرباء.
- تشجيع روح المبادرة الفردية ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
- الاهتمام بالفئات الهشة مثل الأرامل، الأشخاص في وضعية إعاقة، والمسنين.
هذه الأهداف جعلت من المبادرة الوطنية مشروعًا وطنيًا شاملاً يسعى إلى بناء مجتمع متوازن يقوم على التكافل الاجتماعي والتوزيع العادل للثروات.
مراحل تطور المبادرة الوطنية للتنمية البشرية
منذ انطلاقتها سنة 2005، مرت المبادرة عبر ثلاث مراحل أساسية، تطورت فيها برامجها وأولوياتها بشكل متدرج:
المرحلة الأولى (2005 - 2010)
ركزت على محاربة الفقر والهشاشة وتحسين البنيات التحتية الأساسية في المناطق القروية والحضرية.
المرحلة الثانية (2011 - 2018)
وسّعت نطاق تدخلها لتشمل دعم الأنشطة المدرة للدخل، والاهتمام بالشباب عبر التكوين المهني والمواكبة.
المرحلة الثالثة (منذ 2019 إلى اليوم)
جاءت بمقاربة جديدة تركز على الاستثمار في الرأسمال البشري، خاصة في مجالات الطفولة المبكرة، التعليم الأولي، وتشغيل الشباب.
محاور المبادرة الوطنية في المرحلة الثالثة
تركز المرحلة الثالثة على أربعة برامج رئيسية تهدف إلى إحداث أثر مباشر ومستدام:
- تدارك الخصاص في البنيات التحتية الأساسية بالمناطق القروية.
- مواكبة الأشخاص في وضعية هشاشة عبر برامج الإدماج والدعم الاجتماعي.
- تحسين الدخل والإدماج الاقتصادي للشباب من خلال التمويل والمواكبة.
- الدفع بالرأسمال البشري للأجيال الصاعدة عبر التعليم المبكر والصحة.
هذه المحاور جعلت المبادرة أكثر فاعلية وقربًا من حاجيات المواطنين.
تمويل المبادرة وآلية تدبيرها
يتم تمويل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من ميزانية الدولة المغربية، إضافة إلى مساهمات الجماعات الترابية، وشراكات مع المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي والاتحاد الأوروبي.
كما تعتمد المبادرة على النهج التشاركي الذي يجمع بين السلطات المحلية، الجمعيات، التعاونيات، والقطاع الخاص، مما يضمن شفافية التدبير وفعالية تنفيذ المشاريع.
دور المجتمع المدني في تنفيذ المشاريع
يشكل المجتمع المدني ركيزة أساسية في إنجاح برامج المبادرة، حيث تساهم الجمعيات المحلية في:
- تحديد أولويات السكان.
- تقديم مشاريع تنموية مستدامة.
- تأطير المستفيدين ومواكبتهم.
- تعزيز ثقافة العمل الجماعي والتضامن.
هذا التعاون يعزز روح المواطنة ويقوي العلاقة بين المواطن والإدارة المحلية.
المبادرة الوطنية والتنمية القروية
من أبرز إنجازات المبادرة أنها غيرت وجه العالم القروي في المغرب، عبر:
- بناء الطرق والمسالك القروية.
- إيصال الماء والكهرباء للمناطق النائية.
- إنشاء مدارس ووحدات صحية.
- دعم التعاونيات النسائية والفلاحية.
وهكذا أصبحت المبادرة أداة فعلية لتحقيق العدالة المجالية وتقليص الفوارق بين المدن والقرى.
تأثير المبادرة على التشغيل ودعم الشباب
ساهمت المبادرة في خلق آلاف فرص الشغل عبر:
- تمويل المشاريع الصغرى والمتوسطة.
- توفير تكوينات مهنية للشباب.
- دعم حاملي الأفكار المبتكرة بمواكبة تقنية ومالية.
أهم الإنجازات بالأرقام
منذ سنة 2005 إلى اليوم، حققت المبادرة الوطنية أرقامًا مهمة:
- أكثر من 45 ألف مشروع اجتماعي واقتصادي.
- استفادة أزيد من 10 ملايين مغربي بشكل مباشر أو غير مباشر.
- استثمارات تفوق 50 مليار درهم في مختلف القطاعات.
التحديات المستقبلية للمبادرة
رغم النجاحات الكبيرة، ما تزال المبادرة تواجه بعض التحديات مثل:
- ضعف التنسيق بين بعض الفاعلين المحليين.
- الحاجة إلى مزيد من الرقمنة والشفافية.
- ضرورة تتبع دقيق للمشاريع لضمان استدامتها.
ومع ذلك، تظل المبادرة تجربة رائدة في العالم العربي في مجال التنمية البشرية المستدامة.
المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ليست فقط مشروعًا تنمويًا، بل رؤية شاملة لمغرب الغد، تضع المواطن في قلب التنمية وتمنحه فرصًا حقيقية لبناء مستقبل أفضل.
من خلال الاستثمار في الإنسان، ودعم المشاريع المحلية، وتعزيز روح التضامن، أصبحت المبادرة نموذجًا يحتذى به في السياسات الاجتماعية الرائدة في إفريقيا.
